الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1620- مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اقتله به قال أبو عمر ما كانت المعصية التي ارتكبها بشرب الخمر لتزيل عنه القصاص وقد مضى اختلاف العلماء هل يقام عليه حد السكر مع القتل أم القتل يأتي على ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في السكران يسرق ويقتل قال تقام عليه الحدود كلها قال مالك أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى (الحر بالحر والعبد بالعبد) [البقرة 178]. فهؤلاء الذكور (والأنثى بالأنثى ) [البقرة 178]. أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور والمرأة الحرة تقتل بالمرأة كما يقتل الحر بالحر والأمة تقتل بالأمة كما يقتل العبد بالعبد والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال والقصاص أيضا يكون بين الرجال والنساء وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) [المائدة 45]. فذكر الله تبارك وتعالى أن النفس بالنفس فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر وجرحها بجرحه قال أبو عمر أما قول الله عز وجل (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) [البقرة 178]. فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى إلا أن منهم من قال إن قتل أولياء المرأة الرجل بها أدوا نصف الدية إن شاؤوا وإلا أخذوا الدية ولا يقتل الذكر بالأنثي حتى يؤدوا نصف الدية روي هذا القول عن علي (رضي الله عنه) ولا يصح لأن الشعبي لم يلق عليا وقد روى الحكم عن علي وعبد الله قال إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود وهذا يعارض قول الشعبي عن علي رضي الله عنه مما روي عنه وروي ذلك عن الحسن أيضا واختلف فيه عن عطاء وهو قول عثمان البتي. وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة كما تقتل المرأة به لقول الله عز وجل (النفس بالنفس) [المائدة 45]. ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكأفأ دماؤهم ولم يخص الله (عز وجل) ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ذكرا من أنثى وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله (عز وجل) لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله (عز وجل) بل الكتاب والسنة بينا مراد قول الله عز وجل من قوله (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) [البقرة 178]. وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله عز وجل لو قال أحد إنه لا يقتل حر بحر ولا تقتل أنثى بأنثى وهذا لا يقوله أحد لأنه خلاف ظاهر الآية ورد لها وقد روي عن بن عباس وغيره من أهل العلم بتأويل القرآن أن سبب نزول الآية كان لما كان عليه أهل الجاهلية إذا قتل الشريف منهم عبدا قالوا لا يقتل به إلا حرا وكان فيهم القود ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله (عز وجل) (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء) [البقرة 178]. يعني الدية (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) البقرة 178. وأما قول عثمان البتي ومن روى عنه مثل قوله في أن المرأة لا يقتل بها الرجل حتى يؤدي أولياؤها نصف الدية لأن دية المرأة نصف دية الرجل فهذا خلاف النص والقياس والإجماع لأن علماء المسلمين مجمعون أن من قطعت يده فأخذ لها أرشا أو فقئت عينه فأخذ لها ديتها أو رجله أو كان أشل أو أعور من غير أن يأخذ لذلك شيئا فقتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل ذا عينين وهو أعور وقتل ذا يدين وهو أشل وهذا يدل على أن النفس مكافئة للنفس ويكافىء الطفل فيها الكبير ويقال لقائل ذلك إن كان الرجل لا تكافئه المرأة ولا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فلم قتلت الرجل بها وهي لا تكافئه ثم أخذت نصف الدية والعلماء أجمعوا أن الدية لا تجتمع مع القصاص وأن الدية إذا قبلت حرم الدم وارتفع القصاص فليس قولك هذا بأصل ولا قياس قال أبو عمر احتجاج مالك بآية المائدة قوله عز وجل (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) [المائدة 45]. دليل على أن مذهبه إن كان ما أنزل الله عز وجل في القرآن في شرائع الأنبياء عليهم السلام ولم ينزل في كتابنا أنه لهم خاصة ولا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لهم دوننا ولم يشرع لنا خلافهم فهو شرع لنا لأن الله عز وجل قد أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهم إلا أن يشرع له منهاجا غير ما شرع لهم قال الله عز وجل (أولئك الذين هدى الله فبهدهم اقتدة) [الأنعام 90]. قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه أنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك أشد العقوبة ويسجن سنة لأنه أمسكه ولا يكون عليه القتل قال أبو عمر روى بن القاسم عن مالك معنى قوله هذا في الموطأ إلا أنه لم يزد على قوله إن أمسكه حتى يقتله قتلا به جميعا وقال بن جريج سمعت سليمان بن موسى يقول الإجماع عندنا في الممسك والقاتل أنهما شريكان في دمه يقتلان به. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن أمسك رجلا حتى قتله آخر فالقود على القاتل دون الممسك ويعاقب الممسك وقال الليث إن أمسكه ليضربه فقتله قتل القاتل وعوقب الآخر وهو نحو قول مالك قال الليث ولو أمر غلامه أن يقتل رجلا فقتله قتلا به جميعا وذكر المزني عن الشافعي قال لو أمسك رجل رجلا لآخر فذبحه قتل به الرجل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الذي أمسك المرأة. وقال أبو ثور مثل قول الشافعي قال أبو عمر الممسك معين وليس بقاتل وقد يحتمل قول عمر رضي الله عنه لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به الوجهين جميعا العون والمباشرة وقد أجمعوا أنه لو أعانه ولم يحضر قتله لم يقتل به وقد روى وكيع قال حدثني سفيان عن إسماعيل بن أمية ورواه معمر وبن جريج عن إسماعيل بن أمية قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلا وقتله آخر أن يقتل القاتل ويحبس الممسك وقال وكيع حدثني جابر عن عامر عن علي رضي الله عنه أنه قضى أن يقتل القاتل ويحبس الممسك وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عليا أتي برحلين قتل أحدهما وأمسك الآخر فقتل الذي قتل وقال للممسك أمسكته للموت وأنا أحبسك في السجن حتى تموت وروي ذلك عن علي من وجوه وقال به الحكم وحماد وقال شعبة سألت الحكم عن الرجل يمسك الرجل ويقتله الآخر قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت قال أبو عمر هي ثلاث مسائل متقاربات مسألة الممسك ومسألة الآمر غيره ومسألة الامر عبده فنذكرهما هنا وبالله توفيقنا قال مالك والشافعي والكوفي وأحمد وإسحاق وأبو ثور القتل على القاتل دون الآمر ويعاقب الآمر وهو قول عطاء والحكم وحماد وسليمان بن موسى وقالت طائفة منهم إبراهيم يقتلان جميعا وهما شريكان. وأما مسألة الرجل يأمر عبده بقتل رجل فيقتله فروي عن علي وأبي هريرة أنه يقتل السيد وبه قال أحمد وزاد ويضرب العبد ويسجن وقال الثوري والحكم وحماد يقتل العبد ويعزر السيد وهو قول الكوفي وقال قتادة يقتلان جميعا. وقال الشافعي إن كان العبد فصيحا يعقل قتل العبد وعوقب السيد وإن كان أعجميا فعلى السيد القود وهذا كقول مالك سواء في رواية بن وهب عنه وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن يغرم الدية ويحبس. وقال الشافعي إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلما كان على الآمر القود وفي المأمور قولان أحدهما أن عليه القود والآخر لا قود عليه وعليه نصف الدية والكفارة وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن الرجل يأمر الرجل فيقتل الرجل فقالا يقتل القاتل وحده وليس على الآمر قود وقال وكيع حدثني سفيان عن جابر عن عامر في رجل أمر عبده فقتل رجلا عمدا فقال يقتل العبد ووكيع عن علي بن صالح عن منصور عن إبراهيم في الرجل يأمر الرجل فيقتل قال هما شريكان قال وكيع هذا عندنا في الإثم. وأما القود فهو على القاتل قال أبو عمر قد روي هذا منصوصا عن إبراهيم قال أبو بكر حدثني بن سعيد عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن أمير أمر رجلا فقتل رجلا فقال هما شريكان في الإثم قال. وحدثني يحيى بن سعيد عن أشعث عن الحسن في الرجل يأمر عبدا له بقتل الرجل قال يقتل السيد وقد روي عن علي وأبي هريرة مثل قول الحسن ذكره أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس عن علي في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا قال إنما هو بمنزلة سوطه أو سيفه وقال حدثني عمر عن بن جريج عن عطاء عن أبي هريرة في الرجل يأمر عبده فيقتل رجلا قال يقتل المولى قال مالك في الرجل يقتل الرجل عمدا أو يفقأ عينه عمدا فيقتل القاتل أو تفقأ عين الفاقىء قبل أن يقتص منه أنه ليس عليه دية ولا قصاص وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمدا ثم يموت القاتل فلا يكون لصاحب الدم إذا مات القاتل شيء دية ولا غيرها قال أبو عمر قول مالك هذا صحيح لأن ولي المقتول عمدا لا يملك نفس المقتول فيطلب بدلها من قاتله وإنما له حق استيفاء القصاص وكذلك الذي فقئت عينه عمدا فإذا ذهب ما يستحقه بالقصاص بطل الدم وهذا قول بن القاسم وروايته عن مالك أن ولي المقتول ليس مخيرا في القصاص أو أخذ الدية وإنما له القصاص فقط إلا أن يصطلحوا على شيء. وأما رواية المدنيين عنه في تخيير ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية فقياسه أن يكون له الدية إن شاء على القاتل الثاني وإن شاء قتله وروى بن القاسم عن مالك قال لو قتل رجل عمدا فجاء رجل فقتل القاتل عمدا قيل لأولياء المقتول الآخر أرضوا أولياء المقتول الأول وخذوا قاتل قاتلكم فاصنعوا به ما شئتم فإن أرضوا أولياء المقتول الأول وإلا دفع الثاني إلى أولياء المقتول الأول يصنعوا به ما أحبوا وقال الحسن بن حي إذا قتل القاتل الأول فلا حق لأولياء المقتول الأول على القاتل الثاني. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ولو قتله رجل عمدا وجب عليه القود قتل بحق أو بغير حق ولا شيء لولي المقتول الأول وهو قول عثمان البتي وقال سفيان الثوري يقتل الذي قتله وبطل دم الأول وهو قول الحسن البصري كقول الشافعي فيها كرواية المدنيين عن مالك أن لأولياء المقتول على الأجنبي القاتل القصاص إلا أن يشاؤوا أخذ الدية وروى بن القاسم عن مالك فيمن فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه من السماء أو قطع يد رجل فشلت يده أو قطعت في سرقة أنه لا شيء للذي فقئت عينه ولا للذي قطعت يده من مال أو قصاص قال أبو عمر اختصار هذا الباب أن نقول لو قتل رجل رجلا فقتل قاتله في حرابة أو ردة أو مات فلا شيء لوليه ولو قطع رجل يد رجل فقطعت يده في سرقة أو ذهبت بآفة من الله (عز وجل) فلا حق للمجني عليه من مال ولا قصاص ووافق أبو حنيفة مالكا في النفس وخالفه في الأعضاء. وقال الشافعي له الدية في الوجهين جميعا في النفس والأعضاء قال مالك فإن قطع رجل يد القاطع عمدا كان للمقطوع الأول القصاص على القاطع الثاني لأنه كان أحق بيده من نفسه وإن قطعها خطأ فعلى القاطع الثاني دية اليد ويكون ذلك للمقطوع الأول قال أبو عمر هذا إنما يخرج على رواية المدنيين عنه والله أعلم. وقال أبو حنيفة وأصحابه لو قطع رجل يد رجل فوجب عليه القصاص فقطعت يده في سرقة أو في قصاص لآخر فللآخر عليه أرش يده وإن قطعها إنسان بغير حق لم يكن للمقطوع الأول شيء وهو عند الشافعي مخير إن شاء قطع الثاني وإن شاء أخذ الدية وروى قتادة وفرقة في رجل قتل رجلا عمدا فحبس القاتل للقود فجاء رجل فقتله عمدا قال لا يقاد منه لأنه قتل من وجب عليه القتل قال أبو عمر من قال هذا قاسه على من وجب القتل لله عز وجل عليه كالمرتد أو كالمحصن الزاني إذا حبس أحدهما للقتل أو الرجم فقتله رجل عمدا وهذا قياس فاسد لأن من وجب عليه حق لله (عز وجل) ليس لأحد فيه خيار. وأما إذا وجب الحق للأولياء فلهم العفو والقصاص ولهم أيضا أخذ الدية عند جماعة من العلماء واختلفوا في الذي فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه تلك قبل أن يقتص منه أو قطع يد رجل فذهبت تلك اليد منه هل للمجني عليه أن يأخذ عينه الأخرى أو يده الأخرى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا تأخذ اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى لا في العين ولا في اليد ولا تؤخذ السن إلا بمثلها من الجاني وقال بن شبرمة تفقأ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى وكذلك اليد وتؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية لأن الله عز وجل يقول (والعين بالعين والسن بالسن) [المائدة 45]. وقال الحسن بن صالح بن حي إذا قطع أصبع من كف فلم يكن للقاطع من تلك الكف مثل تلك الأصبع قطع من تلك الكف أصبع مثلها تليها ولا تقطع أصبع كف بأصبع كف أخرى قال وكذلك تقلع السن التي تليها إذا لم تكن للقاطع سن مثلها وإن بلغ ذلك الأضراس قال وتؤخذ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى ولا تؤخذ اليد اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى قال أبو عمر أجمعوا على أن عين الفاقىء إذا كانت صحيحة لم يكن للمفقئ عينه أن يأخذ غيرها فدل على أن قوله عز وجل (والعين بالعين) [المائدة 45]. ما قابلها والله أعلم قال مالك ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا وهو أحسن ما سمعت قال أبو عمر أما اختلافهم في القصاص بين العبيد والأحرار فاتفق مالك والليث على أن العبد يقتل بالحر وأن الحر لا يقتل بالعبد وخالفه الليث في القصاص في أعضاء العبد بالحر فقال إذا جنى العبد على الحر فيما دون النفس فالحر مخير إن شاء اقتص من العبد وإن شاء كانت الجناية في رقبة العبد على سيده وقد ناقض لأنه لا يوجب خيارا للرجل في جناية المرأة عليه في أعضائه وهي ناقصة عنه في الدية واتفقا على أن الكافر يقتل بالمؤمن ولا يقتل به المؤمن ويقتل العبد بالحر ولا يقتل به الحر. وقال الشافعي كل من جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه في الجراح وليس بين الحر والعبد قصاص إلا أن يشاء الحر. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في النفس فإنه يقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر ولا قصاص بينهما في شيء من الجراح والأعضاء وقال بن أبي ليلى القصاص بين الحر والعبد في النفس وفي كل ما يستطاع فيه القصاص من الأعضاء وهو قول داود واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فلم يفرق بين حر وعبد قال أبو عمر قد قال الله عز وجل (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى ) [النساء 92]. فأجمع العلماء أنه لا يدخل العبيد في هذه الآية وإنما أراد بها الأحرار فكذلك قوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم أريد به الأحرار دون العبيد والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار في ما دون النفس فالنفس أحرى بذلك وقد قال الله عز وجل (الحر بالحر والعبد بالعبد) [البقرة 178]. ولولا الإجماع في قتل الرجال بالنساء لكان ذلك حكم الأنثى بالأنثى واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وبن أبي ليلى وداود على أن الحر يقتل بالعبد كما يقتل العبد به وروي ذلك عن علي وبن مسعود رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن سهيل بن أبي صالح قال سألت سعيد بن المسيب عن الحر يقتل العبد عمدا قال اقتله به ولو اجتمع عليه أهل اليمن قتلتهم به. وقال مالك والليث والشافعي وبن شبرمة لا يقتل حر بعبد وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد والشعبي قال وكيع حدثني شعبة عن مغيرة عن الشعبي قال إذا قتل الرجل عبده عمدا لم يقتل به وكان الشعبي وسفيان الثوري يقولان يقتل الحر بعبد غيره ولا يقتل بعبده قال سفيان كما لو قتل ابنه لم يقتل به وأرى أن يعزر وقد ناقض أبو حنيفة ومن قال بقوله في آرائهم من قطع يد الحر بيد العبد وهو يقتله به والنفس أعظم حرمة فإذا لم يكافئه في اليد فأحرى ألا يكافئه في النفس واحتجاج أصحابه بحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم قصاصا لا حجة فيه ولو تأمله المحتج لهم ما احتج به وكذلك حجتهم بحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه لا تقوم لهم به حجه لأن أكثر أهل العلم يقولون إن الحسن لم يسمع من سمرة وأيضا فلو كان صحيحا عن الحسن ما كان خالفه فقد كان يفتي بأن لا يقتل الحر بالعبد حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه به قال ثم إن الحسن نسي هذا الحديث بعد ذلك فكان يقول لا يقتل حر بعبد أخبرنا عبد الله قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثني أبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ورواه أبو عيسى الترمذي بإسناده مثله وقال سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال قد كان علي بن المديني يقول بهذا الحديث وأنا أذهب إليه قال وسماع الحسن من سمرة عندي صحيح ومن حجتهم أيضا أن قالوا لما كان أمان العبد كأمان الحر وتحريم دمه كتحريم دم الحر وجب أن يكون مكافئا له في القصاص فالجواب أن هذه عله قد أتت ببطلانها السنة لأن دم الذمي محرم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث سمرة وإن كان في إسناده من لا يحتج به لضعفه وسوء نقله فإنه مما يستظهر به حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده عمدا فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يقد منه قال أبو بكر. وحدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما كانا يقولان لا يقتل المولى بعبده ولكن يضرب ويطال حبسه ويحرم سهمه وكانا لا يقتلان الحر بالعبد. وأما حديث أمان العبد المسلم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني محبوب بن موسى قال حدثني أبو إسحاق الفزاري عن بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما كان يوم الفتح خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى جدار الكعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. 1621- مالك أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى أن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا إن ذلك جائز له وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده قال أبو عمر أكثر العلماء يقولون إن المقتول يجوز عفوه عن دمه العمد وإن قتل خطأ جاز له العفو عن الدية في ثلثه إن حملها الثلث وإلا فما حمل منها الثلث وأن ديته كسائر ماله يورث عنه وأن المقتول عمدا أولى بدمه من أوليائه ما دام حيا في العفو عنه كما قال مالك (رحمه الله) وممن قال إن للمقتول أن يعفو عن دمه ويجوز على أوليائه وورثته كقول مالك الحسن البصري وطاوس اليماني وقتادة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو أحد قولي الشافعي وقال بالعراق عفوه باطل لأن الله (عز وجل) جعل السلطان لوليه فله العفو والقصاص إن شاء أو الدية ولا يجوز ذلك إلا بموته وبه قال أبو ثور وداود وهو قول الشعبي ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني هشيم قال أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي في الرجل يقتل الرجل فيعفو عن قاتله قبل موته قال لا يجوز عفوه وذلك لأوليائه قال أبو عمر قول مالك ومن تابعه في هذه المسألة صحيح وليس قول الشافعي في العراق بشيء لأن الولي لا يقوم إلا بما كان للمقتول القيام به ولولا استحقاق المقتول بدم نفسه ما كان لوليه القيام فيه قال الله عز وجل (فمن تصدق به فهو كفارة له) [المائدة 45]. ولم يختلف العلماء أن المتصدق ها هنا هو المقتول يتصدق بدمه على قاتله أي يعفو عنه واختلفوا في الضمير الذي في قوله (كفارة له) [المائدة 45]. فقال بعضهم كفارة للمقتول وقال بعضهم كفارة للقاتل وقال زيد بن أسلم من استقيد منه أو عفي عنه أو أخذت منه الدية فهو كفارة له وروى بن عيينة عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق وعن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال صلى الله عليه وسلم بايعوني فقرأ عليهم الآية قال فمن عفى منكم فأجره على الله ومن أصابه من ذلك شيء فعوقب به فهو كفارة له ومن أصابه من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله (عز وجل) إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وقال سفيان بن عيينة العفو كفارة للجارح والمجروح قال سفيان كان يقال إن قتل فهي توبته وإن أعطى الدية فهي توبته وإن عفي عنه فهي توبته في الرجل عمدا قال أبو عمر هو قول زيد بن أسلم ومجاهد وفرقة واختلف فيه عن بن عباس والأشهر عنه وعن زيد وبن عمر أنه لا توبة له. وأما الرواية عن السلف الذين قال مالك بقولهم في ذلك فحدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله (عز وجل) فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفى عنه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز عفوه وقال صلى الله عليه وسلم هو كصاحب ياسين وروى الثوري عن يونس عن الحسن في الذي يضرب بالسيف عمدا ثم يعفو قبل أن يموت قال ذلك جائز وليس في الثلث ومعمر وبن جريج عن بن طاوس عن أبيه قال إذا تصدق الرجل بدمه فهو جائز قلت في الثلث قال بل في ماله كله ورواه بن عيينة قال قلت لابن طاوس ما كان أبوك يقول في الرجل يتصدق بدمه على قاتله عند موته قال كان يقول هو جائز قلت خطأ كان أو عمدا قال خطأ كان أو عمدا قال واختلفوا في العفو عن الجراحات وما يؤول إليه إذا مات المجروح منها فقال مالك إذا عفى عن الجراحة فقط كان لأوليائه القود أو الدية ولو قال قد عفوت عن الجراحة وما تؤول إليه أو قال إن مت منها فقد عفوت صح عفوه ولم يتبع الجاني بشيء وهو قول زفر قال أبو يوسف ومحمد إذا عفا عن الجراحة ومات فلا حق له والعفو على الجراحة عفو لما يؤول إليه أمرها وقال الثوري إذا عفا عن الجراحة ومات لم يقتل ويؤخذ بما فضل من الدية وهو أحد قولي الشافعي كان الجراحة كانت موضحة فسقط بعفوه عنها نصف عشر الدية والآخر عفوه باطل وذلك إلى الولي وبه قال أبو ثور وداود. وقال أبو حنيفة من قطعت يده فعفى ثم مات بطل العفو ووجبت الدية. وقال الشافعي بمصر إذا قال قد عفوت عن الجراحة وعن ما يحدث منها من عقل وقود ثم مات منها فلا سبيل إلى القود وينظر إلى أرش الجناية فقال فيها قولان أحدهما أن عفوه جائز من ثلثه ويسقط عنه أرش الجراحة ويؤخذ بالباقي من الدية والقول الثاني أنه يؤخذ بجميع الدية لأنها صارت نفسا وهذا قائل لا تجوز له وصية بحال واختاره المزني قال مالك في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه ويجب له إنه ليس على القاتل عقل يلزمه إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه قال أبو عمر للعلماء في هذه قولان أحدهما قول مالك وهو قول أبي حنيفة أنه لا دية عندهم في قتل العمد إلا باشتراطها والصلح عليها ومثل هذا رواية بن القاسم عن مالك. وأما رواية أهل المدينة عنه فالحجة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بين خيرتين لم توجب له الدية إلا باختياره لها واشتراطه إياها والقول الآخر أنه من عفا فله الدية إلا أن يقول عفوت على غير شيء وهو قول الشافعي وجماعة قبله وهذا قول أحمد وإسحاق لأن الله (عز وجل) قد أوجب في مال القاتل الدية إذا عفا الولي لقوله (عز وجل) (فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن) [البقرة 178]. ولو كان للعاقل إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للولي ما يتبعه به بالمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان قال مالك في القاتل عمدا إذا عفي عنه أنه يجلد مائة جلدة ويسجن سنة قال أبو عمر قد أبى من ذلك عطاء بن أبي رباح وطائفة قالوا لم يذكر الله عز وجل أن على من عفي عنه جلدا ولا عقوبة قال عطاء (وما كان ربك نسيا) [مريم 64]. وقاله عمرو بن دينار وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور قال أبو ثور إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى أنه يردعه وقال الليث وأهل المدينة كما قال مالك وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه أنه ضرب حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل عمدا ويعفا عنه يسجن سنة ويضرب مائة قال بن جريج وقال بن شهاب لا قود بين الحر وبين المملوك ولكن العقوبة والنكال بالجلد الوجيع والسجن وغرم ما أصاب ويعتق رقبة ويغرب سنة وقد قضى بذلك عمر بن عبد العزيز فإن لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين قال مالك وإذا قتل الرجل عمدا وقامت على ذلك البينة وللمقتول بنون وبنات فعفا البنون وأبى البنات أن يعفون فعفو البنين جائز على البنات ولا أمر للبنات مع البنين في القيام بالدم والعفو عنه قال أبو عمر ذكر بن وهب في موطئه عن الليث بن سعد أنه قال يجوز عفو العصبة عن الدم ويبطل حق البنات قال ولا عفو للنساء ولا قسامة لهن يعني في العمد قال وهو قول مالك وذكر بن القاسم عنه أنه قال ليس للبنات ولا للأخوات من القصاص شيء إنما هو للرجال البنين والإخوة ويجوز عفو الرجال على النساء ولا يجوز عفو النساء على الرجال قال ملك وليس للأخوة من الأم عفو عن القصاص قال فإن عفا الرجل على أن يأخذ الدية فالدية على سائر الورثة على قدر مواريثهم وقد روي عن مالك أن عفو النساء جائز والأول تحصيل مذهبه وقد ذكرنا اختلافهم في هذه المسألة في كتاب اختلافهم. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل وارث نصيبه من القصاص ويجوز عفوه على نفسه ولا يجوز على غيره في إبطال حقه من الدية والرجال والنساء في ذلك كله عندهم سواء وقال بن أبي ليلى القصاص لكل وارث إلا الزوج والزوجة. وقال الشافعي لما لم يختلف العلماء في أن العقل موروث كالمال كان كل وارث وليا في ذلك زوجة كانت أو ابنة أو أختا ولا يخرج أحد منهم من ولاية الدم ولا يقتل إلا باجتماعهم وحتى يحضر الغائب منهم ويبلغ الطفل وأيهم عفا عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حصصهم من الدية. وقال أبو حنيفة وأصحابه من عفا من ورثة المقتول عن القصاص من رجل أو امرأة أو زوجة أو أم أو جدة أو من سواهن من النساء أو كان المقتول امرأة فعفا زوجها عن القاتل فلا سبيل إلى القصاص ولمن سوى العافي من الورثة حصته من الدية. وقال أحمد ومن عفا من ولاة المقتول عن القصاص لم يكن إلى القصاص سبيل وإن كان العافي زوجا أو زوجة وقد روى الوليد بن يزيد عن الأوزاعي ما يوافق قول مالك خلاف الرواية الأولى عنه حكى العباس بن الوليد عن أبيه عن الأوزاعي أنه سئل عن القتيل إذا قامت البينة على قاتله هل للنساء اللاتي يرثنه عفو إن أراد الرجال قتله قال الأخذ بالقود والعفو إلى أوليائه من الرجال دون النساء وروى سفيان بن عيينة عن الأعمش عن زيد بن وهب أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما أو قتلها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فعفا بعض إخوة المرأة فأعطى عمر لمن يعف منهم الدية. 1622- مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من كسر يدا أو رجلا عمدا أنه يقاد منه ولا يعقل قال أبو عمر أما اليد والذراع والرجل والساق فإذا قطعت اليد أو الرجل من المفصل عمدا فلا خلاف بين العلماء في أن القصاص واجب في ذلك. وأما الساق والذراع ففيهما يقع الكسر وفي سائر أعضاء الجسد تنازع العلماء فذهب مالك وأصحابه إلى أن القصاص في ذلك وذكر أنه أمر مجتمع عليه عندهم ولم ير في كسر الفخذ قودا ورواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو رأي أبيه قال بن القاسم عن مالك عظام الجسد مثل العجز وما أشبهه كلها فيها القود إلا ما كان مخوفا عليه مثل الفخذ وما أشبهه قال وليس في الهاشمة ولا المنقلة ولا المأمومة قود قال. وأما الذراعان والعضدان والساقان والقدمان ففي ذلك كله إذا كسر شيء منه القود قال أبو عمر قد تقدم القول في المأمومة وشجاج الرأس في موضعها من هذا الكتاب وقال الليث بن سعد والشافعي لا قصاص في عظم من العظام لم يكسر ولم يشنها شيئا ولا ضرسا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا قصاص في عظم ما خلا السن قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه قال ليس في العظام قصاص وعن عطاء بن أبي رباح وعامر الشعبي والحسن البصري وبن شهاب الزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك وهو قول سفيان الثوري حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال إذا كسرت اليد أو الساق فليس على كاسرها قود ولكن عليه الدية قال عطاء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنا لا نقيد من العظام قال وحدثني جرير عن حصين قال كتب عمر بن عبد العزيز ما كان من كسر في عظم فلا قصاص فيه قال. وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي والحسن قالا ليس في عظم قصاص قال. وحدثني حفص عن حجاج عن أبي مليكة عن بن عباس قال ليس في العظام قصاص قال وحدثني بن أدريس عن الشيباني عن الشعبي قال ليس في شيء من العظام قصاص إلا الوجه والرأس قال وحدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال لا قصاص في عظم قال أبو عمر في هذا الباب حديثان مرفوعان أحدهما صحيح لا مقال في إسناده وهو حديث أنس قصة ثنية الربيع حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقصاص في السن وقال كتاب الله (عز وجل) القصاص قال أبو عمر هذا حديث مختصر وليس فيه حجة لأنه قد يحتمل أن تكون السن قلعت أو سقطت من ضربة فإذا كان كذلك فلا خلاف في القصاص قال الله عز وجل (والسن بالسن) [المائدة 45]. وإنما الخلاف في السن تكسر هل فيها قصاص أم لا وحديث أنس هذا محفوظ في كسر السن والقصاص حدثني عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني حميد عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا والأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص ثم أرضى القوم فكفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره قال أبو عمر هذا الحديث حجة لمالك وهو حديث ثابت وإذا كان القصاص في السن إذا كسرت وهي عظم فسائر العظام كذلك إلا عظما اجتمعوا على أنه لا قصاص فيه لخوف ذهاب النفس منه أو لأنه لا يقدر على الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء والله أعلم. وأما الحديث الآخر الذي ينفي القصاص في العظام فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهيد قال حدثنا محمد بن منيع قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها فاستعدى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال يا رسول الله إني أريد القصاص فقال خذ الدية بارك الله لك فيها ولم يقض له بالقصاص قال أبو عمر ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ودهثم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ونمران بن جارية أعرابي أيضا وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة قال مالك ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه فيقاد منه فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح فهو القود وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول المستقيد شيء وإن برأ جرح المستقاد منه وشل المجروح الأول أو برأت جراحه وبها عيب أو نقص أو عثل فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية ولا يقاد بجرحه قال ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول أو فسد منها والجراح في الجسد على مثل ذلك قال أبو عمر أما قوله لا يقاد من جرح حتى يبرأ فعلى هذا مذهب جمهور العلماء إلا أن الشافعي أجاز ذلك إذا رضي به المجروح وطلبه على إسقاط ما يؤول إليه جرحه من القتل والعيب وقد تقدمت هذه المسألة فلا معنى لإعادتها. وأما قوله فإن زاد جرح المستقاد منه فليس على المستقيد شيء فقد اختلف العلماء في المقتص منه من الجراح يموت من ذلك فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد لا شيء على المقتص له وروي عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - مثل ذلك وقالا الحق قتله لا دية له وهو قول الحسن وبن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود. وقال أبو حنيفة وبن أبي ليلى والثوري إذا اقتص من يد أو شجة فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له وهو قول حماد بن أبي سليمان وطاوس وعطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي وعامر الشعبي إلا أن الشعبي قال الدية هنا على العاقلة وكذلك قال الزهري. وقال أبو حنيفة في ماله وقال عثمان البتي في الذي يقتله القصاص يدفع الذي اقتص له قدر تلك الجراحة وما بقي من ديته ففي مال المقتص فإن كان عبدا فما بقي من ثمنه ففي ماله وهو قول عبد الله بن مسعود وبه قال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة قال أبو عمر قد أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه لأنه قطع بحق وكذلك المقتص منه في القياس وحجة أبي حنيفة أن إباحة الأخذ لا تسقط الضمان في المال كما لو رمى غرضا مباحا فأصاب إنسانا أو أدب امرأته بما يجب له فتولد منه موتها أنه لا يسقط الدية عنه وكذلك المقتص له قال مالك وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها أو كسر يدها أو قطع إصبعها أو شبه ذلك متعمدا لذلك فإنها تقاد منه. وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه ولا يقاد منه قال أبو عمر هذا قول جماعة العلماء ولم يختلف فيه أئمة الفتيا وقد ذكر مالك في باب عقل المرأة من الموطأ أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه ثم فسره بنحو ما فسره هنا وقد روى معمر عن الزهري قال لا تقاد المرأة من زوجها في الأدب يقول لو ضربها فشجها ولكن إذا اعتدى عليها فقتلها كان القود قال أبو عمر هذه الرواية أيضا القصاص في الجراح بينهما إذا كان الأصل الأدب وأكثر أهل العلم في ذلك يرون الدية إذا تولدت الشجة من أدبه لأنه لم يكن له أن يبلغ بها ذلك في أدبه. 1623- مالك أنه بلغه أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ وهذا تقدم القول فيه في هذا الباب والحمد لله كثيرا. 1624- مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج فقتل بن رجل من بني عائذ فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه فقال عمر لا دية له فقال العائذي أرأيت لو قتله ابني فقال عمر إذا تخرجون ديته فقال هو إذا كالأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم قال أبو عمر ليس هذا الحديث عند أكثر رواة الموطأ وسقط من رواية يحيى صفة قتله وقتله كان خطأ لا خلاف في ذلك بين العلماء لأن العاقلة لا تحمل إلا عقل الخطأ ولما لم يكن للمعتق سائبة عاقلة لم يوجب له عمر شيئا والعلماء مختلفون في ذلك. وأما أهل الظاهر وداود وأصحابه فإنهم لا عاقلة عندهم إلا العصبة خاصة دون الموالي ودون الخلفاء وغيرهم ومن قتل مؤمنا خطأ ولا عصبة له فلا شيء عندهم عليه غير الكفارة. وأما سائر أهل العلم فمن قال إن ولاء السائبة للذي أعتقه جعل الدية على عاقلته وعصبته لأنهم يرثون عنه ولاءه ويرثون مواليه فهم عاقلته ومن قال ولاء السائبة لجماعة المسلمين يرى الدية في بيت مال المسلمين ومن قال إن للسائبة أن يوالي من شاء رأى أن الذي يواليه يقوم مقام معتقه وحكمه وحكم عصبته حكمه وقد ذكرنا في كتاب الولاء اختلاف العلماء في ولاء المعتق سائبة وهذه المسألة متعلقة بذلك الباب والله الموفق للصواب وقد روي عن عمر خلاف ما روى عنه سليمان بن يسار في هذا الخبر ذكر وكيع قال حدثني ربيعة بن عثمان التيمي عن سعد بن إبراهيم أن أبا موسى كتب إلى عمر أن الرجل يموت قبلنا وليس له رحم ولا ولاء قال فكتب إليه عمر إن ترك ذا رحم فالرحم وإلا فالولاء وإلا فبيت مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه وكيع قال حدثني سفيان عن مطرف عن الشعبي في الرجل يسلم وليس له مولى قال ميراثه للمسلمين وعقله عليهم قال. وحدثني سفيان عن يونس عن الحسن مثله وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال في السائبة يعقل عنه المسلمون ويرثه المسلمون وليس مواليه منه في شيء قال. وأخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي قال المعتق سائبة يعقل عنه مولاه ويرثه مولاه وقال الحارث الأعور سألت عليا - رضي الله عنه - عن سائبة قتل رجلا عمدا قال يقتل به وإن قتل خطأ نظر هل عاقد أحدا فإن كان عاقدا أحدا أخذ أهل عقده وإن لم يعاقد أحدا أدي عنه من بيت مال المسلمين وقال عبد الرزاق أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحاج فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ فقتل السائبة العائذي فجاء أبوه عمر بن الخطاب يطلب دم ابنه فأبى عمر أن يديه قال ليس له مال فقال العائذي أرأيت لو كان ابني قتله قال عمر إذن تخرجون ديته قال فهو إذن كلأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم ففي رواية عبد الرزاق في قوله فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ ما يدل على ما ذكرنا من قتل الخطأ قال. وأخبرنا بن جريج قال زعم لي عطاء أن سائبة من سيب مكة أصاب إنسانا فجاء عمر بن الخطاب فقال ليس لك شيء فقال أرأيت لو شججته قال إذن آخذ له منك حقه قال ولا تأخذ لي منه قال لا قال هو إذن كالأرقم قال إن تتركوني ألقم وإن تقتلوني أنقم فقال عمر هو كالأرقم قال أبو عمر الأرقم الحية الذكر العادي على الناس إن تركه الذي يراه التقمه وإن قتله انتقم له الذي انتقم للفتى الشاب من الحية المقتولة التي وجدها على فراشه فغرز رمحه فيها ورفعها فجعلت تضطرب في رأس الرمح وخر الفتى ميتا في حديث مالك عن صيفي ويأتي في الجامع إن شاء الله عز وجل. 1625- مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا لا قال أفتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فواده رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء قال مالك الفقير هو البئر قال أبو عمر اختلف في اسم أبي ليلى شيخ مالك هذا فقيل عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وقيل اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة وقيل داود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وهكذا ذكره الكلاباذي أن عبد الله بن يوسف رواه عن مالك وتابعه يحيى عن مالك في قوله في حديثه هذا عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه وهكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة وتابعه على ذلك بن وهب وبن بكير وليس في روايتهم ما يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمة وقال بن القاسم وبن نافع ومطرف والشافعي وأبو مصعب عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه وقال القعنبي وبشر بن عمر عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه وقال عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء فروايته ورواية بن القاسم ومن ذكرنا معه ورواية القعنبي أيضا ومن تابعه يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمه وقد قيل لم يسمع أبو ليلى من سهل وقيل سمع منه وقيل هو مجهول لم يرو عنه غير مالك وقيل روى عنه بن إسحاق ومالك. 1626- مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقتل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا يا رسول الله كيف نقبل إيمان قوم كفار قال يحيى بن سعيد فزعم بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك لهذا الحديث عن يحيى بن سعيد في إرساله عن بشير بن يسار وأنه ليس فيه لسهل بن أبي حثمة ذكر وإن كان غيره من رواة يحيى بن سعيد جعلوه عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وذكر جماعة منهم سماع بشير بن يسار له من سهل بن أبي حثمة فإن مالكا في حفظه وإتقانه وعلمه بحديث أهل بلده قد أرسل هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار لم يتجاوز به بشير بن يسار وما أظن البخاري -والله أعلم- ترك إخراج حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار هذا إلا لإرسال مالك له ولم يجعل من خالفه ورواه عن يحيى بن سعيد وأسنده حجة على مالك وخرجه من حديث سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ذكره عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار وهو مخالف لمعنى ما جاء به يحيى بن سعيد فيه من تبدئة الساعي المدعي بالأيمان وقد أخطأ جماعة من أهل العلم بالحديث سعيد بن عبيد في روايته هذه عن بشير بن يسار وذموا البخاري في تخريجه حديث سعيد بن عبيد وتركه حديث يحيى بن سعيد الذي فيه تبدئة المدعي بالأيمان وممن روى هذا الحديث مسندا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعباد بن العوام والليث بن سعد وبشير بن الفضل وقال فيه حماد بن زيد وعباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج فزاد فيه مع سهل بن أبي حثمة رافع بن خديج وقال فيه الليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى حسبت أنه قال ورافع بن خديج وكلهم رووه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك في تبدئة الأنصار المدعين بالأيمان إلا سفيان بن عيينة فإنه اختلف عنه في ذلك فرواه عنه بن أبي عمر بسياقة مالك وقال في آخره لا أدري بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بيمين المدعين أو المدعى عليهم ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار سمع سهل بن أبي حثمة يقول وجد عبد الله بن سهل قتيلا بخيبر فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حويصة ومحيصة وعبد الرحمن تبرئكم يهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه فقالوا وكيف نرضى بأيمان قوم كفار قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نر فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبدأ عليه السلام بقوله تبرئكم يهود قبل أن يقول فيقسم منكم وهذا معنى ما رواه سعيد بن عبيد عن بشير بن سهل في هذا الحديث ورواه سائر من رواه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك من تبدئة المدعي بالإيمان وكذلك رواه الحميدي عن سفيان بن عيينة وهو أثبت الناس في بن عيينة وهو الصحيح ومن قال فيه عن بن عيينة تبدئة اليهود بالأيمان فقد أخطأ ولم يصب والصحيح في حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار تبدئة المدعين وهم الأنصار بالأيمان والله أعلم وكذلك رواه محمد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وعن الزهري عن سهل بن أبي حثمة ذكر فيه تبدئة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بالأيمان وقد ذكرنا في التمهيد الروايات بذلك كله بالأسانيد عن من ذكرنا فسياق كل واحد منهم بالحديث بمعنى ما وصفت عنه إلا رواية محمد بن إسحاق التي ذكرنا فنذكرها هنا لأنا لم نذكرها هناك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة. وحدثني بشير بن يسار مولى بني حارثة عن سهل بن أبي حثمة قال أصيب عبد الله بن سهل بخيبر وكان خرج إليها في أصحاب لهم يتمارون منها تمرا فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا وكان صاحب الدم وكان ذا قدم في القوم فلما تكلم قبل ابني عمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فسكت فتكلم حويصة ومحيصة ثم تكلم هو بعد فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فيسلم إليكم فقالوا يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم قال فيحلفون لكم بالله - يعني اليهود - خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرؤون من دمه قالوا يا رسول الله ! ما كنا لنقبل أيمان يهود ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة قال سهل فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها قال أبو عمر ففي هذه الآثار كلها من رواية مالك وغيره على ما ذكرنا في التمهيد تبدئة المدعين للدم بالأيمان في القسامة وإليها ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وهؤلاء أئمة أهل الحديث قال أحمد بن حنبل الذي أذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار من رواية يحيى بن سعيد فقد وصله عنه حفاظ وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد حكى هذا عنه أبو بكر الأثرم وحسبك بأحمد إمامة في الحديث وعلما بصحيحة من سقيمة وقد ذكرنا حديث يحيى بن سعيد من رواية حماد بن زيد وغيره عنه في التمهيد والحمد لله كثيرا. وأما الآثار التي فيها أن اليهود بدأهم النبي عليه السلام بالإيمان فمنها ما رواه سعيد بن عبيد الطائي الكوفي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح. وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قالوا كلهم حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين. وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا منهم قتيلا فقالوا للذي وجدوه عندهم قتلتم صاحبنا فقالوا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا قال فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أخانا قتيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر وقال لهم تأتون بالبينة على من قتل فقالوا ما لنا بينة قال فيحلفون لكم قالوا ما نرضى أيمان يهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل ذمه فوداه بمائة من إبل الصدقة وما حدثنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم أيحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفوا فقالوا أنحلف على الغيب يا رسول الله ! فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم. وحدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي بن راشد قال حدثني هشيم عن أبي حيان التيمي قال حدثني عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال أصبح رجل من الأنصار مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال لهم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم قالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود وقد يجسرون على أعظم من هذا قال فاختاروا منكم خمسين رجلا يحلفون فأبوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قال أبو عمر هذا خلاف ما رواه حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج لأن في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الأنصار بالأيمان كما رواه مالك وجماعة عن يحيى بن سعيد وفي هذا الحديث عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الأنصار البينة فلما لم تكن لهم بينة أراد أيمان اليهود فلم يرضوا بأيمان اليهود فأراد أيمانهم ليقضي لهم بما شاء الله من دية أو قود فلم يفعلوا فوداه من عنده وهذه قصة لم يحكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لإباء المدعين من الأيمان ومن قبول أيمان اليهود وتبرع بأن جعل الدية من مال الله (عز وجل) لئلا يطل دم مسلم والله أعلم وما أعلم في شيء من الأحكام المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاضطراب والتضاد ما في هذه القصة فإن الآثار فيها متضادة متدافعة وهي قصة واحدة وفي مذاهب العلماء من الاختلاف في القسامة وما يوجبها والأيمان فيها ومن يبدؤوا بها وهل يجب بها القود أو لا يستحق بها غير الدية وفي من أثبتها وذهب فيها إلى بعض الوجوه التي ذكرنا ومن نفاها جملة ولم يرها ولهم في ذلك من التنازع ما يضيق بتهذيبه وتلخيص وجوبه كتاب فضلا عن أن يجمعع في باب وسنذكر منه هنا ما يكفي ويشفي إن شاء الله عز وجل وجملة ذلك أن من أثبت القسامة فريقان فطائفة منهم وهم مالك والشافعي والليث يعتبرون الشبهة للبينة واللوث واللطخ وما غلب على العقل والظن فهم يطلبون ما يتطرق به إلى حراسة الدماء ولم يطلب أحد منهم الشهادة القاطعة ولا العلم الصحيح البت وهؤلاء وأصحابهم يبدئون الذين يدعون الدم بالأيمان في دعوى الدم وطائفة أهل العراق والكوفيون وأكثر البصريين يوجبون القسامة والدية لوجود القتيل على أهل الموضع ما يعتبرون غير ذلك وكلهم يرى الأيمان على المدعى عليهم مع الدية دون المدعين وكلهم واحد وكل واحد من الفريقين ينزع بابا نشهد له بما ذهب إليه فنبدأ بقول مالك رحمه الله ثم نردفه بقول غيره بحول الله وعونه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى في القسامة والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة للمدعين الدم على من ادعوه عليه ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين قال مالك وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المبدئين بالقسامة أهل الدم والذين يدعونه في العمد والخطأ قال مالك وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قتل بخيبر قال أبو عمر لم يختلف قول مالك ولا أصحابه أن قول المقتول قبل موته دمي عند فلان أنه لوث يوجب القسامة ولم يتابع مالكا على ذلك أحد من أئمة أهل العلم إلا الليث بن سعد فإنه تابعه فقال الذي توجبه القسامة أن يقول المقتول فلان قتلني أو يأتي من الصبيان والنساء والنصارى ومن يشبههم ممن لا يقطع بشهادته أنه رأى هذا حين قتل هذا فإن القسامة تكون مع ذلك واختلف أصحاب مالك فيما رووه عن مالك في معنى اللوث الموجب للقسامة فروى بن القاسم عن مالك أن الشاهد الواحد العدل لوث وروى عنه أشهب أن الواحد العدل لوث وإن لم يكن عدلا قال وقال لي مالك اللوث الأمر الذي ليس بقوي ولا قاطع واختلفوا في المرأة الواحدة هل تكون شهادتها لوثا توجب القسامة وكذلك اختلفوا في النساء والصبيان وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه. وقال الشافعي إذا مثل الطيب مثل السلب الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية على المدعى عليهم فإن قيل وما كان السبب الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل كانت خيبر دار يهود محضة ولا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بن سهل بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد أن يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود فإذا كانت دار يهود محضة أو قبيلة وكانوا أعداء المقتول فادعى الولي قتله عليهم فلهم القسامة قال وكذلك لو دخل نفر بيتا لم يكن معهم غيرهم أو كانوا في صحراء أو كان زحام فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو وجد قتيل في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا برجل مخضب بدمه في مقامه ذلك أو تأتي بينة متفرقة من المسلمين من نواح شتى لم يجتمعوا فيشهد كل واحد منهم على الانفراد أنه قتله فتتوطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض ولم يكونوا ممن يعدل أو يشهد رجل عدل أنه قتله لأن كل شيء من هذا يغلب على حكم الحاكم أنه كما ادعى ولي المقتول قال الشافعي والأصل المجتمع عليه أن اليمين لا يستحق بها شيء وإنما هي لدفع الدعوى إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في الأموال أن تؤخذ باليمين مع الشاهد وفي دعوى الدماء أن تستحق بها إذا كان معها ما يغلب على قلوب الحكام أنه ممكن غير مدفوع من الأموال التي وصفنا قال وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة وكل ما أمكن أن يكون معهم وفي جملتهم وسواء كان بالقتيل جرح أو أثر أو لم يكن لأنه قد يقتل بما لا أثر له قال فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يقسم الولي عليه إلا ببينة أنه كان فيهم أو إقرار منه بذلك قال ولا ينظر إلى دعوى الميت وقوله دمي عند فلان لأن السنة المجتمع عليها ألا يعطى أحد بدعواه شيئا دما ولا غيره قال ولورثة القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه ممكن أن يعرفوا ذلك باعتراف القاتل عندهم وبشهادة بينة لا يقبلها الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم ما غاب وينبغي للحاكم أن يقول لهم اتقوا الله (عز وجل) ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات واليقين على من تدعون الدم عليه وعليه أن يقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا أو كافرين على مسلمين وعلى كافرين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته قال أبو عمر ليس أحد من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم أو أن يشهد بما لم يعلم ولكنه يحلف على ما لم ير ولم يحضر إذا صح عنده وعلمه بما يقع العلم بمثله فإذا صح ذلك عنده واستيقنه حلف عليه وإلا لم يحل. وقال أبو حنيفة وأصحابه وأبو يوسف ومحمد إذا وجد قتيل في محلة وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة أنهم قتلوه أو على أحد منهم بعينه استحلف من أهل المحلة خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا يختارهم الولي فإن لم يبلغوا خمسين كررت عليهم الأيمان ثم يغرمون الدية وإن نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا وهو قول زفر وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف إذا أبوا أن يقسموا تركهم ولم يحبسهم وجعلت الدية على العاقلة في ثلاث سنين وقالوا جميعا إن ادعى الولي على رجل من غير أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة ولا شيء عليهم وقول الثوري مثل قول أبي حنيفة في ذلك كله إلا أن بن المبارك روى عنه إذا ادعى الولي على رجل بعينه فقد أبرأ أهل المحلة غيره وقال بن شبرمة إذا ادعى الولي على رجل بعينه من أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة وصار دمه هدرا إلا أن يقيم البينة على ذلك الرجل وقال عثمان البتي يستحلف من أهل المحلة خمسون رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ثم لا شيء عليهم غير ذلك إلا أن يقيم البينة على رجل بعينه أنه قتله قال أبو عمر قول عثمان البتي مخالف لما قضى به عمر رضي الله عنه من رواية الكوفيين وعن الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع أن عمر بن الخطاب أحلف الذين وجد القتيل عندهم وأغرمهم الدية فقال له الحارث بن الأزمع أيحلفون ويغرمون قال نعم وروى الحسن عن الأحنف عن عمر أنه اشترط على أهل الذمة إن قتل رجل من المسلمين فعليكم الدية قال أبو عمر اتفق مالك والليث والشافعي إذا وجد قتيل في محلة قوم أو في فنائهم لم يستحق عليهم بوجوده فيهم شيء ولم تجب فيهم قسامة بوجوده حتى تكون الأسباب التي شروطها في وجوب القسامة على ما قدمنا عنهم وهو قول أحمد وداود قال مالك فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه ولا يقتل في القسامة إلا واحد لا يقتل فيها اثنان يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم قال مالك وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز له عفو فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم وإن كان واحدا فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الأيمان على من حلف منهم فإن لم يوجد أحد إلا الذي ادعى عليه حلف هو خمسين يمينا وبرئ قال أبو عمر قد تقدم في باب العفو اختلاف الفقهاء في من له العفو عن الدم والجمهور يرون أن كل وارث عندهم جائز للدية والمال مستحق للدم لأن الدية إنما تؤخذ عن الدم وعفو كل وارث عندهم جائز عن الدم فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا. وأما قوله فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه فإن العلماء قد اختلفوا في ما يستحق بأيمان القسامة هل يستحق بها الدم أو الدية فالذي ذهب إليه مالك في ذلك قول عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وقال الزهري وبن أبي ذئب وبه قال أحمد بن حنبل وداود وقال إسحاق بن راهويه من قال بالقود في القسامة لا أعينه. وأما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لا يقاد بالقسامة ولكن تجب بالقسامة الدية قال والذين يبدؤون عندنا بالأيمان في القسامة أولياء المقتول فإن نكلوا عادت الأيمان إلى أولياء الذين ادعي عليهم القتل وإن نقصوا عن خمسين ردت عليهم الأيمان. وأما قول مالك لا يقتل في القسامة إلا واحد ولا يقتل بها اثنان فقد اتفق على أنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد لأن الذين يقولون إن الجماعة تقتل بالواحد إذا اجتمعوا على قتله عمدا لا يوجبون قودا بالقسامة وإنما يوجبون الدية والزهري وداود لا يقتلان اثنين بواحد كما لا تقطع عند الجميع يدان بيد وقد مضت هذه المسألة في موضعها ذكر وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي مليكة أن بن الزبير وعمر بن عبد العزيز أقادا بالقسامة وروى معمر عن الزهري أنه كان يقول القسامة يقاد بها وبن أبي ذئب عن الزهري مثله وزاد ولا يقتل بالقسامة إلا واحد. وقال الشافعي في المشهور من مذهبه وأبو حنيفة والثوري والحسن بن حي لا قود في القسامة ولا يستحق بها إلا الدية وهو قول جماعة أهل العراق وقد روي عن أبي بكر وعمر أنهما لم يقيدا بالقسامة وقد قيل إن أول من حكم بها عمر وأنه لا يصح فيها عن أبي بكر شيء لأنه من مراسيل الحسن وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد السلام بن حرب عن عمرو عن الحسن أن أبا بكر وعمر والخلفاء والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة قال. وحدثني وكيع قال حدثني المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه القسامة توجب العقل ولا تشيط بالدم قال. وحدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد قال حدثني أبو معشر عن إبراهيم قال القسامة تستحق بها الدية قال. وحدثني عبد الرحيم عن الحسن بن عمرو عن فضيل عن إبراهيم قال القود بالقسامة جور. وحدثني محمد بن بشر عن سعيد عن قتادة قال القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها وقال الحسن القتل بالقسامة جاهلية وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قلت لعبيد الله بن عمر أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فكيف تجترئون عليها فسكت قال فقلت ذلك لمالك فقال لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الختل لو ابتلي بها لأقاد بها وقال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف قال قلت لسعيد بن المسيب أعجب من القسامة يأتي الرجل يسأل عن القاتل والمقتول لا يعرف القاتل من المقتول ثم يقسم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في قتيل خيبر ولو علم أن الناس يجترئون عليها ما قضى بها. وأما قول مالك يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن نكلوا أو نكل من يجوز له العفو منهم ردت الأيمان على المدعى عليهم فإن مالكا والشافعي وأصحابهما والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود يقولون يبدأ المدعون بالأيمان في القسامة إلا أن داود لا يقضي بالقسامة إلا أن يكون القوم يدعون على أهل مدينة كبيرة أو قرية كبيرة هم أعداء لهم يدعون أن وليهم قتل عمدا فلا يقضى بالقسامة في شيء غير ذلك ولا يقضى بها في دعوى قتل الخطأ ولا في شيء يشبه المعنى المذكور. وأما اشتراط العداوة بين المقتول وأوليائه وبين القاتل وأهل موضعه فاشترطها الشافعي وأحمد وداود وليس ذلك في شرط مالك فيما يوجب القسامة حدثني عبيد بن محمد قال حدثني الحسن بن سلمة بن معلى قال حدثني بن الجارود قال حدثني إسحاق بن منصور قال قال لنا أحمد بن حنبل في الذي ذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار إذا كان بين القوم عداوة وشحناء كما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فوجد فيها القتيل ادعى أولياؤه عليهم. وأما فقهاء الكوفة والبصرة وكثير من أهل المدينة فإنهم يبدئون في القسامة المدعى عليهم بالأيمان فإن حلفوا بروا عند بعضهم وعند أكثرهم يحلفون ويغرمون الدية اتباعا لعمر رضي الله عنه وهو سلفهم في ذلك وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال بن شهاب يقول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اليمين على المدعى عليهم إذا كانوا جماعة أو على المدعى عليه إذا كان واحدا وعلى أوليائه يحلف منهم خمسون رجلا إذا لم تكن بينة يؤخذ بها فإن نكل منهم رجل واحد ردت قسامتهم ووليها المدعون فيحلفون بمثل ذلك فإن حلف منهم خمسون استحقوا الدية وإن نقصت قسامتهم ورجع منهم واحد لم يعطوا الدية قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم عن بن شهاب أنه يوجب القود بالقسامة لأنه لم يوجب بها ها هنا إلا الدية وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود بدءا بهم قال يحلفون لكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفون فقالوا لا نحلف على الغيب فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم قال أبو عمر هذه حجة قاطعة للثوري وأبي حنيفة وسائر أهل الكوفة قال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرنا الفضل عن الحسن أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار وجعل العقل على اليهود قال. وأخبرني معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصار وقال لهم احلفوا واستحقوا فأبوا أن يحلفوا فقال أيحلف لكم يهود ما يبالي اليهود أن يحلفوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة من الإبل قال أبو عمر قد تقدمت أحاديث مسندة في هذا الباب بالقولين جميعا وذلك يغني عن إعادتها وذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية وشبابة بن سوار عن بن أبي ذئب عن الزهري قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة أن اليمين على المدعى عليهم قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم من رواية بن إسحاق عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر. وحدثني أبو معاوية ومعن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه كان يرى القسامة على المدعى عليهم قال. وحدثني محمد بن بكر عن بن جريج قال أخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع أصحابا لهم يحدثون أن عمر بن عبد العزيز بدأ المدعى عليهم باليمين ثم ضمنهم العقل قال. وأخبرنا أبو معاوية عن مطيع عن فضيل بن عمرو عن بن عباس أنه قضى بالقسامة على المدعى عليهم قال أبو عمر السنة المجتمع عليها أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر يروى من أخبار الآحاد عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ. وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قالا حدثني يحيى بن أبي بكر قال حدثني نافع بن عمر عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن عباس في امرأتين أخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت أصابتني هذه وأنكرت الأخرى قال فكتب إلى بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اليمين على المدعى عليه وقال لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمنهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الآخرة) آل عمران 77 فقرأت عليها فاعترفت فبلغه ذلك فسره. وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن محمد بن قبطي أحد بني حارثة قال محمد بن إبراهيم وايم الله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه إنه قال ما كان الشأن هكذا ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار أنه قد وجد قتيل بين أظهركم فدوه فكتبوا له يحلفون ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قال أبو عمر ليس مثل هذا عند أهل العلم بشيء لأن شهادة العدل لا تدفع بالإنكار لها لأن الإنكار لها جهل بها وسهل قد شهد بما علم وحضر القصة وركدته منها ناقة حمراء قال مالك وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من ا لناس وإنما يلتمس الخلوة قال فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون بها فيها ليكف الناس عن الدم وليحذر القاتل أن يؤخذ في ذلك بقول المقتول قال أبو عمر السنة إذا ثبتت فهي عند جماعة العلماء عبادة يدنو العامل بها من رحمة ربه وينال المسلم بها درجة المؤمن المخلص والاعتلال لها ظن والظن لا يغني من الحق شيئا ألا ترى أن هذا الظن من مالك رحمه الله ليس بأصل عنده ولو كان أصلا عنده لقاس عليه أشباهه ويصدق الذي يدعي قطع الطريق على من زعم أنه سلبه وقتل وليه في طريق لأن قاطع الطريق يلتمس الخلوة وكذلك السارق يلتمس الخلوة ويستتر لما يفعله جهرة وليس يقول أحد من المسلمين أن مدعي السرقة أو القطع في الطريق يحلف على دعواه ويأخذ بيمينه ما ادعاه وقد أجمع علماء المسلمين أنه من سلب في الموضع الذي ليس فيه أحد أنه لا يصدق في دعواه على من ادعى عليه إلا أن أصحابنا يقولون إن المسلوبين إذا شهدوا على السالبين بعضهم لبعض قبلوا ولم يقبل أحد منهم لنفسه لما ادعى قال أبو عمر وكذلك لا يصدق على من ادعى عليه أنه سرق منه في الوضع الحالي وقد يجترئ الناس على الأموال كما يجترئون على الدماء وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء وقوله إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون فيها ليكف الناس عن الدماء فقد خالفه فيه من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل البينة على الأنصار واليمين على اليهود وقد تقدمت رواية من روى ذلك من الثقات العدول الأثبات وقد أنكر العلماء أيضا على مالك رحمه الله قوله إن القسامة لا تجب إلا بقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي لوث يشهدون له وإن كان لا يؤخذ بهم حق لأن المقتول ووليه لم يدع على أحد وقال دمي عند فلان ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يأتون بلوث قالوا فقد جعل مالك سنة ما ليس له مدخل في السنة وكذلك أنكروا عليه أيضا في هذا الباب قوله الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضاه واجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون في الأيمان في القسامة وأنها تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة قال فكيف قال اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث وبن شهاب يروي عن سليمان بن يسار وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ اليهود بالأيمان وسليمان بن يسار وأبو سلمة أثبت وأجل من بشير بن يسار وهذا الحديث وإن لم يكن من روايته فمن رواية عن بن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للجهيني الذي ادعى دم وليه على رجل من بني سعد بن ليث كان أجرى فرسه فوطىء على أصبع الجهيني فنزى منها فمات فقال عمر للذي ادعى عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات فأبوا وتحرجوا فقال للمدعين احلفوا فأبوا فقضى بشطر الدية على السعديين قالوا فأي أئمة اجتمعت على ما قال ولم يروا فيما قال في ذلك ولا في قول المقتول دمي عند فلان عن أحد من أئمة المدينة صاحب ولا تابع ولا أحد يعلم قوله مما يروى قوله وقد احتج أصحابنا لقوله دمي عند فلان بقتل بني إسرائيل إذ أحياه الله (عز وجل) فقال قتلني فلان فقبل قوله وهذه غفلة شديدة أو شعوذة لأن الذي ذبحت البقرة من أجله وضرب ببعضها كانت فيه آية لا سبيل إليها اليوم فلا تصح إلا لنبي أو بحضرة نبي وقتيل بني إسرائيل لم يقسم عليه أحد بيمين واحدة ولا بخمسين ومالك لا يعطي أحدا بقوله دمي عند فلان شيئا دون قسامة خمسين يمينا وقد أجمع المسلمون أنه لا يعطى مدعي الدم شيئا دون قسامة وأجمعوا أن شريعة المسلمين وسنتهم في الدماء والأموال لا يقضى فيها بالدعاوى المجردة وأجمع العلماء أن قول المقتول عند موته دمي عند فلان لو قال حينئذ ولي عليه مع هذا أو على غيره درهم فما فوقه لم يقبل قوله في الدرهم ولم يحلف على قوله أحد من ورثته فيستحقه فأي سنة في قول المقتول دمي عند فلان بل السنة المجتمع عليها بخلاف ذلك قال أبو عمر وقد أنكرت طائفة من العلماء الحكم بالقسامة ودفعوها جملة واحدة ولم يقضوا بشيء منها وممن أنكرها سالم بن عبد الله بن عمر وأبو قلابة الجرمي وعمر بن عبد العزيز ورواية عن قتادة وهو قول مسلم بن خالد الزنجي وفقهاء أهل مكة وإليه ذهب بن علية ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال حدثني مولى لأبي قلابة قال دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة وهو مريض فقال ناشدتك بالله يا أبا قلابة لا تشمت بنا المنافقين فتحدثوا حتى ذكروا القسامة فقال أبو قلابة يا أمير المؤمنين هؤلاء أشراف أهل الشام ووجهم عندك أرأيت أن لو شهدوا أن فلانا سرق بأرض كذا وهم عندك أكنت قاطعه قال لا قال فلو شهدوا أنه قد شرب خمرا بأرض كذا وهم عندك ها هنا أكنت حاده بقولهم قال لا قال فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدته قال فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده ولا تقبل شهادة واحد من الخمسين الذين أقسموا ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني إسماعيل بن علية عن حجاج بن أبي عثمان قال حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه فقال ما تقولون في القسامة فأضب القوم قالوا نقول القسامة القود بها حق قد أقاد بها الخلفاء فقال ما تقول يا أبا قلابة وتفتي للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤوس الأجناد أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه زنى ولم يروه أكنت ترجمه قال لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن أنه سرق ولم يروه أكنت تقطعه قال لا قال. وحدثني بن علية عن يحيى عن أبي إسحاق قال سمعت سالم بن عبد الله يقول وقد تيسر قوم من بني ليث ليحلفوا في القسامة فقال سالم يا آل عباد الله ! لقوم يحلفون على ما يروه ولم يحضروه ولم يشهدوه ولو كان لي أو إلي من الأمر شيء لعاقبتهم أو لنكلتهم أو لجعلتهم نكالا وما قبلت لهم شهادة قال أبو عمر أما الذين دفعوا القسامة جملة وأنكروها ولم يقولوا بها فإنما ردوها بآرائهم لخلافها للسنة بخلاف هذه السنة المجتمع عليها عندهم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه المنكر والاعتراض بهذا على رد القسامة فاسد لأن الذي سن البينة على المدعي واليمين على المنكر في الأموال هو الذي خص هذا المعنى في القسامة وبينه لأمته صلى الله عليه وسلم وكانت القسامة في الجاهلية خمسين يمينا على الدماء فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة بخلاف الأموال التي سن فيها يمينا واحدة والأصول لا يرد بعضها ببعض ولا يقاس بعضها على بعض بل يوضع كل واحد منها موضعه كالعرايا والمزابنة وكالمساقاة وكالقراض مع الإجارات ومثل هذا كثير وعلى المسلمين التسليم في كل ما سن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال دعاني عمر بن عبد العزيز فقال إني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون فقلت له ليس لك ذلك قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأنت إن تركتها أوشك رجل أن يقتل عند بابك فيطل دمه وإن للناس في القسامة حياة وقد قال مالك في القوم يكون لهم العدد يتهمون بالدم فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم وهم نفر لهم عدد أنه يحلف كل إنسان منهم عن نفسه خمسين يمينا ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم ولا يبرؤون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يمينا قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر هذا هو الأصل في الدماء أنه لا يبرأ منها إلا بخمسين يمينا كما لا يستحق شيء منها عند من رأى أنها تستحق بها الدماء إلا بخمسين يمينا وقد ذكر مالك أن الذي وصفه هو عنده أحسن ما سمع. وأما الشافعي والكوفيون فلا يحلف المدعى عليهم كلهم إلا خمسين يمينا كما يحلف المدعون وإن كان الكوفيون لا مدخل عندهم لليمين على المدعين وإنما عندهم أن أهل المحلة المدعى عليهم يحلفون ويغرمون بحديث بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود خيبر في قصة سهل بن عبد الله الأنصاري أن قتيلا وجد بين أظهركم فدوه ولقول الأنصاري في حديث أبي سلمة وسليمان بن يسار فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم ولحديث بن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة قوله إما أن تفدوا صاحبكم وإما أن تأذنوا بحرب ولقضاء عمر بن الخطاب بنحو ذلك إذ حلف الهمدانيين وأغرمهم الدية. وقال الشافعي لا يحلف من المدعى عليهم إلا من قصد قصده بالدعوى فإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم قتلوه وردوا عليهم الأيمان حلفوا عليهم خمسين يمينا كل واحد منهم يمينا واحدة وإن ادعوا على ستين رجلا أنهم قتلوه فعلى كل رجل يمين وإن استحق غرم الدية عن الدم صغار وكبار وحضور وغيب حلف من حضر من الغيب خمسين يمينا وأخذ حصته من الدية فإذا كبر الصغير أو قدم الغائب حلف من الأيمان بقدر حصته وأخذ حصته من الدية ولا يحلف من المدعين إلا الورثة رجالا كانوا أو نساء فإن امتنع الغائب والصغير من اليمين حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرؤوا فإن نكلوا غرموا قال وإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم قتلوه حلفوا خمسين يمينا كل واحد منهم وهو قول سائر العلماء.
|